القطه السعيده
السبت فبراير 20, 2010 4:07 pm
--------------------------------------------------------------------------------
القطة السعيدة
إلتقينا مجموعة من الأصدقاء والمعارف في حفل افتتاح معرض للفنون الخزفية الذي أقامته إحدى فناناتنا المشهورات.
ساد اللقاء جو من الحديث الشيّق والحار، هذا يناقش صديقه، وذاك يعاتب صاحبه وهكذا.. أثناء ذلك تقدمت فنانة أخرى قائلة:
يا أولاد ، البارحة حلمت حلماً...
قاطعها أحد الشعراء:
أكان مزعجاً؟
لا أدري، لكن أما من أحد يفسر حلمي؟
وراحت تلك الفنانة تحدثنا عن حلمها.
- كنت سائرة بين مجموعة من الأشخاص، هذا ذاهب إلى عمله وذاك عائد منه، أما أنا فقد كنت هناك، كما أسلفت ، ذاهبة إلى مكان ما، وفجأة سمعت صوت أحدهم يقول:
- _ أنا ....!!
استدار الجميع إلى مصدر الصوت. بينما راح صاحبه يتابع ما بدأ به:
- أقول لكم ليقف كل في مكانه.
فوقفنا جميعاً.
سألها أحد النحاتين:
ولم وقفتم؟.
ردت عليه الفنانة قائلة:
ومن أين لي أن أعرف، المهم وقفنا، ألم أقل لك مجرد حلم.
تابع صاحب ذاك الصوت قائلاً:
والآن ليرسم كل منكم دائرة بالطباشير حول نفسه.
فظهر بيد البعض قطع من الطباشير ورسم كل منهم دائرة حول نفسه.
لكن أحد المتواجدين هناك استفسر قائلاً:
ليس لديّ طبشورة ماذا عساي أن أفعل؟.
أجابه ذلك الرجل:
من ليس لديه طبشورة ليرسم بقلمه.
راح البعض يرسم دائرته بقلم رصاص والآخر بالمداد الجاف أ, السائل. بحثت ملياً في حقيبة يدي، علّي أجد قلماً ولكن عبثاً، ولحسن الحظ لم أكن الوحيدة في ذلك، حيث ظهر عدة أشخاص لا يملكون أقلاماً.
لا أدري ما سبب الخوف الذي تسلل في أعماقي حتى رحت أرتجف وترتعد أوصالي، أحد أقراني ممن ليس لديه قلم سأل صاحب ذاك الصوت:
ليس لدينا أقلام، ما العمل؟
ردّ عليه قائلاً:
- من ليس لديه قلم ليرسم دائرته بنفسه.
وضعت كعب قدمي كمركز فرجار ورحت أدور حول نفسي راسمة دائرتي المطلوبة. أحد الحضور سأل فنانتنا:
- ولمّ رسمت الدائرة؟
- ما هذا السؤال! ألم أقل لك أنه مجرد حلم.
تدخل ممثل آخر بالحديث قائلاً:
إن الأحلام عادة لا تتسم بالواقعية.
وهكذا دبّ النقاش بين الحضور حول واقعية الأحلام.
وفي النهاية توصلنا إلى نتيجة مفادها أن الأحلام ليست منطقية ولا واقعية.
بعدما رسم الجميع دوائرهم، طلب صاحب ذاك الصوت عدم مغادرتها، وبالفعل تجاوب الجميع للأوامر. وبذلك أصبحنا أسيري دوائرنا.
سألها أحد الشعراء:
- ألم تستطيعوا الخروج من هذه الدوائر إطلاقاً؟
ردت عليه قائلة:
- لا، لم نستطع الخروج بتاتاً.
- ولماذا؟
- يا أخي ممنوع، ممنوع الخروج من الدوائر، ممنوع ألا تفهم؟.
عاود أحد النحاتين وسألها:
- حسناً فهمنا أنه ممنوع، ولكن لماذا؟
إستشاطت الفنانة غضباً إلا أنها كبتت غيظها وقالت:
- يا روحي ألم أقل لكم أنه مجرد حلم.
- أهناك أسباب ومسببات في الأحلام.
هكذا بقينا داخل دوائرنا.
- حسناً ولكن ليس لديك دائرة؟.
- ألم أرسمها على الهواء؟
- لكنها ليست مرئية، وحدودها ليست واضحة.
- لم أستطع الخروج منها، ولكن كيف؟ لا أدري!
- لم لا تخرجي من دائرتك وما المانع؟
- لأنه لا أحد يخرج من دائرته كي أتشجع وأخرج بدوري.
- ولم؟
- آه (أمان يا ربي)، لم لم لم ألم أقل لكم أنه مجرد حلم.
- آه نعم.
رغبتي كانت جامحة للخروج...
لو أستطيع مدّ إصبعي كي تمحوا ما رسمته، حاولت ذلك لكن صراخ صاحب ذاك الصوت زلزل أحشائي ـ لا أحد يمحو دائرته ـ وهكذا أصبحت أسيرة دائرتي.
ولكن ـ قال أحد الممثلين ـ منذ البداية كان عليك أن لا ترسمي تلك الدائرة.
- أنت محق بذلك، ولكن عزائي أنني لست الوحيدة حبيسة دائرتها.
لقد أشفقت كثيراً على ذلك الشاب المشلول، سمعته يقول عشرون عاماً وأنا طريح الفراش لا أستطيع الحراك، أما الآن وبعد احتباسي داخل هذه الدائرة، تولدت في أعماقي رغبة راحت تمزقني وتدفعني للخروج من هذه الدائرة. ولكن كيف سنخرج، ونحن لا نستطيع الحراك؟.
كما قلت لحظة إنغلاقي داخل هذه الدائرة اللعينة، شعرت بأنني قادر على الخروج مشياً، بل قولي راكضاً، ولو يسمح لنا إزالة هذه الدائرة.
إلتفت إلى الوراء وإذ بي أمام امرأة نائمة، نظرت إليها بإمعان وجدتها بلا روح، نعم بلا روح، ولكن الغريب بالأمر أنها تتكلم وتقول: آه لو تُمسح هذه الدوائر لخرجت وتفسحت قليلاً.
سألتها:
- أيعقل هذا، أنت ميتة وتتكلمين؟
- ردّت عليّ قائلة:
- منذ أن فارقت الحياة ماتت في أعماقي رغبتي في القيام بالزيارات، لكن منذ أن حبست داخل هذه الدائرة عادت هذه الرغبة تتفجر في أعماقي من جديد، آه لو لم أكن أسيرة دائرتي لاستطعت المسير والزيارات مثلكم أيها الأحياء.
التفت ثانية إلى الأمام وإذا بي بشاب مفلوج يقول:
- آه لو يخرج أحدهم ويزيل خطوط دائرتي ويخرجني من هنا ويخلصني من هذا البلاء.
قلت له:
- أنت مفلوج ولا تستطيع الحراك، كيف رسمت هذه الدائرة؟
أجابني قائلاً:
- نعم معك حق، أنا لم أرسم دائرتي بيدي، بل برأسي ، وإن ما قمت برسمه لم يكن سوى مشروع دائرة.
جميعنا هنا محتجزون داخل دوائرنا، رسمناها بأيدينا أو بأقلامنا وحتى برؤوسنا ولا نستطيع الخروج منها، وبذلك نقف عاجزين أمام دوائرنا.
بعد فترة إحتباس داخل دوائرنا، راحت تتغير العبارات، وتصبح على الشكل التالي:
آه لو يأتي أحدهم ويمسح دوائرنا، ويخلصنا منها، وهكذا راحت الأصوات تتعالى:
آه لو يأتي أحدهم وينقلنا، آه لو يأتي أحدهم وينشلنا من دوائرنا.
وباعتبار أن الجميع كان يردد هذه العبارات، لذلك رحت بدوري أردد أثناء ذلك راح الليل ينسج خيوطه المظلمة ويلقيها علينا.
- آه سأفقد عقلي أما من منقذ ينقذنا؟
فجأة صدر صوت جديد وبنبرة جديدة:
"آه لو يخرج أحدهم من دائرته لخرجت مباشرة"
وهكذا رحنا نردد نفس العبارة، راحت الأصوات تتعالى "ليخرج ذاك الشخص كائناً من كان".
ولكن رغم جميع الأصوات لم يخرج هذا (الأحدهم)، وقال: أنا هو الذي تبحثون عنه.
غطت الظلمة جميع أصقاع المنطقة ونحن ما زلنا محتبسين رهن دوائرنا.
في تلك الأثناء راحت قطة ذات عينين براقتين تصول وتجول بين دوائرنا، لا أحد يردّها أو يقول لها من أنت وإلى أين ذاهبة؟
قلت بيني وبين نفسي، آه لو كنت قطة ما أسعد هذه القطة.
راح الجميع يحسد القطة على حريتها.
كم هي ذكية هذه القطة، وكأنها عرفت ما يجول في أعماقنا، لذلك راحت تعاكسنا غير آبهة بأحد.
إنزعجت كثيراً من هذه القطة، وعلى أثر ذلك فتحت عينيّ، وإذ بي سابحة في بحر من العرق. وبعد أن أنهت فنانتنا حديثها عن حلمها قالت:
- والآن أما من أحد يفسر حلمي.
حاول أحد الكتاب التظاهر بالمعرفة إذ قال:
- عندما لا يستطيع المرء أن ينجح بسلك سلوك الإنسان، يحاول أن يهتم بسعادة القطط، على كلّ سأقوم بكتابة كل ما تحدثت به.
تدخلت تلك الفنانة منزعجة.
- ولم ستكتب؟.
تدخل النحات قائلاً:
- قد يجد أحد القراء في نفسه الكفاءة، ويلقي بنفسه خارج دائرته، وبذلك يظهر هذا الأحدهم الذي كنتم تبحثون عنه وتخرجون من دوائركم.
[b]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى